حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قَوْله : ( حَدَّثَنَا عَبْد الْوَاحِد )
هُوَ اِبْن زِيَاد , وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى رِوَايَته فِي " بَاب بَيْع الْأَرْض " مِنْ كِتَاب الْبُيُوع وَالِاخْتِلَاف فِي قَوْله :
( كُلّ مَا لَمْ يُقْسَم )
أَوْ " كُلّ مَال لَمْ يُقْسَم " وَاللَّفْظ الْأَوَّل يُشْعِر بِاخْتِصَاصِ الشُّفْعَة بِمَا يَكُون قَابِلًا لِلْقِسْمَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي .
قَوْله : ( فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود وَصُرِّفَتْ الطُّرُق فَلَا شُفْعَة )
أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِف الطُّرُق وَشَوَارِعهَا , كَأَنَّهُ مِنْ التَّصَرُّف أَوْ مِنْ التَّصْرِيف . وَقَالَ اِبْن مَالِك : مَعْنَاهُ خَلَصَتْ وَبَانَتْ , وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْ الصِّرْف بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة الْخَالِص مِنْ كُلّ شَيْء . وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي ثُبُوت الشُّفْعَة , وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر بِلَفْظِ " قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلّ شِرْك لَمْ يُقْسَم رَبْعَة أَوْ حَائِط , لَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَبِيع حَتَّى يُؤْذِن شَرِيكه : فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ , فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنهُ فَهُوَ أَحَقّ بِهِ " وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيث ثُبُوت الشُّفْعَة فِي الْمُشَاع , وَصَدْره يُشْعِر بِثُبُوتِهَا فِي الْمَنْقُولَات , وَسِيَاقه يُشْعِر بِاخْتِصَاصِهَا بِالْعَقَارِ وَبِمَا فِيهِ الْعَقَار . وَقَدْ أَخَذَ بِعُمُومِهَا فِي كُلّ شَيْء مَالِك فِي رِوَايَة , وَهُوَ قَوْل عَطَاء . وَعَنْ أَحْمَد تَثْبُت فِي الْحَيَوَانَات دُون غَيْرهَا مِنْ الْمَنْقُولَات وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا " الشُّفْعَة فِي كُلّ شَيْء " وَرِجَاله ثِقَات إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ , وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيث جَابِر بِإِسْنَادٍ لَا بَأْس بِرُوَاتِهِ .
قَالَ عِيَاض : لَوْ اِقْتَصَرَ فِي الْحَدِيث عَلَى الْقِطْعَة الْأُولَى لَكَانَتْ فِيهِ دَلَالَة عَلَى سُقُوط شُفْعَة الْجِوَار , وَلَكِنْ أَضَافَ إِلَيْهَا صَرْف الطُّرُق , وَالْمُتَرَتِّب عَلَى أَمْرَيْنِ لَا يَلْزَم مِنْهُ تَرَتُّبه عَلَى أَحَدهمَا . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَم دُخُول الشُّفْعَة فِيمَا لَا يَقْبَل الْقِسْمَة , وَعَلَى ثُبُوتهَا لِكُلِّ شَرِيك . وَعَنْ أَحْمَد لَا شُفْعَة لِذِمِّيٍّ . وَعَنْ الشَّعْبِيّ : لَا شُفْعَة لِمَنْ لَمْ يَسْكُن الْمِصْر .
( تَنْبِيهَانِ ) :
الْأَوَّل اُخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ مَالِك عَنْهُ عَنْ أَبِي سَلَمَة وَابْن الْمُسَيِّب مُرْسَلًا كَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيّ وَغَيْره وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِم وَالْمَاجِشُونُ عَنْهُ فَوَصَلَهُ بِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ , وَرَوَاهُ اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيّ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدهمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ , وَالْمَحْفُوظ رِوَايَته عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ جَابِر مَوْصُولًا وَعَنْ اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَمَا سِوَى ذَلِكَ شُذُوذ مِمَّنْ رَوَاهُ . وَيُقَوِّي طَرِيقَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ جَابِر مُتَابَعَةُ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير لَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ جَابِر ثُمَّ سَاقَهُ كَذَلِكَ .
الثَّانِي : حَكَى اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قَوْله " فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُود إِلَخْ " مُدْرَج مِنْ كَلَام جَابِر , وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ الْأَصْل أَنَّ كُلّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيث فَهُوَ مِنْهُ حَتَّى يَثْبُت الْإِدْرَاج بِدَلِيلٍ , وَقَدْ نَقَلَ صَالِح بْن أَحْمَد عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ رَجَّحَ رَفْعهَا .
--------------------------------------------------------------------------------
المصدر: صحيح البخاري ...باب الشفعة
--------------------------------------------------------------------------------